الإخفاء القسري في اليمن انتهاك مستمر يتطلب مساءلة عاجلة
  • 30/08/2025
  •  https://dg.samrl.org/l?a5580 
    منظمة سام |

    جنيف - قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن اليمن يقف هذا العام على مشهد حقوقي مأساوي يزداد قتامة، حيث ما تزال ظاهرتا الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري تمثلان سياسة ممنهجة ترتكبها أطراف النزاع دون تمييز، مشيرةً إلى أن هذه الممارسات تحولت إلى منظومة متكاملة للقمع، تشمل الصحفيين والنشطاء والسياسيين والأكاديميين وحتى موظفي المنظمات الإنسانية، وهو ما يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي.

    وأشارت سام إلى أن تقرير فريق الخبراء الصادر عن مجلس حقوق الإنسان في 2023 أكد على أن هناك "أسبابًا معقولة للاعتقاد" بأن جميع أطراف النزاع في اليمن انخرطت في ممارسات الاعتقال التعسفي، الإخفاء القسري، والتعذيب، وأوضح التقرير أن بعض السجناء حُرموا من العلاج الطبي اللازم ما تسبب في إعاقات دائمة ووفاة عدد منهم، كما أن معظم المعتقلين لم يُعرضوا على القضاء ولم توجه إليهم أي تهم قانونية، بل احتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي لفترات غير محددة، في ممارسات ترقى إلى جرائم حرب تستوجب المحاسبة بموجب القانون الجنائي الدولي.

    من الإخفاء القسري إلى التعذيب

    وأوردت المنظمة أن تقاريرها وتقارير منظمات دولية أخرى تثبت اتساع نطاق التعذيب والإخفاء القسري داخل السجون الرسمية وغير الرسمية في اليمن، حيث وثقت سام خلال الفترة 2014-2019 ما يزيد عن ثلاثة آلاف حالة تعذيب، في مراكز احتجاز لا تخضع لأي إشراف قضائي، وأوضحت أن الضحايا تعرضوا لأساليب وحشية من التعذيب، شملت الصعق بالكهرباء، التعليق لفترات طويلة، الحرمان من النوم والعلاج، والإيهام بالإعدام، فضلًا عن استخدام العنف الجنسي كسلاح لإذلال المعتقلين، مضيفةً أن هذه الانتهاكات لم تستثن المهاجرين الأفارقة الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة ممارسات "مروعة ووحشية"، تضمنت القتل والتشويه والاغتصاب والاختفاء القسري على أيدي أطراف الصراع والمهربين على حد سواء.

    وفي توثيق آخر، كشف الفريق اليمني للأسرى والمختطفين عن (17638) حالة تعذيب جسدي ونفسي بين سبتمبر 2015 وديسمبر 2021، شملت (587) طفلًا و(150) امرأة، أما التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان فقد وثّق (1635) مختطفًا تعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي والمعاملة القاسية داخل سجون الحوثي في الفترة ذاتها، بينهم 109 أطفال و33 امرأة و78 مسنًا، موزعين على 17 محافظة يمنية 

    وأظهرت الإحصائيات أن حصيلة القتلى تحت التعذيب تجاوزت (200) معتقل خلال هذه السنوات، إذ سجلت سام وفاة (70) في عام 2016، و(53) في عام 2017، و(56) في عام 2018، فضلًا عن عشرات الحالات الأخرى في الأعوام التالية. كما وثقت منظمة رايتس رادار (271) حالة قتل تحت التعذيب بين سبتمبر 2014 وفبراير 2021، وهو ما يؤكد أن جريمة التعذيب في اليمن أصبحت سياسة ممنهجة تتقاسمها أطراف النزاع المختلفة، في خرق صارخ للقوانين المحلية والمعاهدات الدولية التي تجرم التعذيب دون استثناء.

    نماذج من الحوادث الموثقة خلال 2025

    وثقت سام في أغسطس حملة اعتقالات حوثية واسعة استهدفت قيادات المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، بينهم الأمين العام غازي الأحول، معتبرة أن هذه الحملة دليل إضافي على القيود المفروضة على العمل السياسي والحزبي في البلاد، كما وثقت المنظمة اعتقال الصحفي حمود هزاع في مأرب بعد اقتحام منزله وترويعه مع أسرته.

    وفي يوليو 2025، أثيرت قضية احتجاز فتيات في صنعاء ليلًا دون إذن قضائي، في مخالفة صريحة للقانون، حيث جرى استجوابهن من قبل رجال أمن في ظروف غير إنسانية، لمجرد مساعدتهن امرأة تعرضت لانتهاكات أسرية، في واقعة تكشف عن هشاشة الحماية القانونية للنساء في اليمن.

    وفي إبريل نفذت جماعة الحوثي حملات دهم واسعة في صنعاء وصعدة والحديدة والمحويت طالت عشرات المدنيين والتربويين، من بينهم نائب مدير مكتب التربية عبده صالح يوسف، على خلفية تلقيهم مساعدات إنسانية، ورافق هذه الاعتقالات حملة تحريض إعلامي وديني قادتها شخصيات بارزة في الجماعة، تضمنت دعوات صريحة لتنفيذ الإعدام بحق المعتقلين، ففي محافظة المحويت، استهدفت الاعتقالات مواطنين على خلفية تداول مقطع مصور لصاروخ حوثي سقط بالخطأ، بينما شهدت العاصمة صنعاء حملة أمنية شملت نحو ثلاثين شخصًا بسبب تصويرهم آثار قصف استهدف سوقًا سكنيًا، وفي الحديدة جرى اعتقال ثمانية آخرين لمجرد نشرهم صورًا لضحايا الغارات الجوية.

    وفي فبراير 2025، رصدت منظمة سام للحقوق والحريات سلسلة من الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها قوات اللواء السابع عمالقة في مدينة حيس بمحافظة الحديدة، شملت مداهمة المنازل واعتقال الصحفيين والناشطين دون أي مسوغ قانوني، في ممارسات كشفت عن واقع قمعي متصاعد يفتقر إلى أبسط الضمانات القضائية. 

    شبكة السجون السرية في اليمن

    وقالت منظمة سام للحقوق والحريات إن شبكة السجون السرية في اليمن باتت تمثل أخطر أوجه الانتهاكات الممنهجة التي ترتكبها أطراف الصراع، حيث تحولت هذه السجون إلى مراكز للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الممنهج، بعيدًا عن أي رقابة قضائية أو قانونية. وأشارت إلى أن هذه المراكز ليست مجرد أماكن احتجاز غير قانونية، بل منظومة متكاملة من الانتهاكات تستهدف المعارضين السياسيين والصحفيين والنشطاء والمدنيين على حد سواء، بما يتعارض مع القوانين اليمنية والمواثيق الدولية.

    وأبرزت التقارير الأممية وجود شبكة واسعة من مراكز الاحتجاز غير الرسمية في جنوب اليمن، شملت مواقع مثل معسكر 7 أكتوبر في زنجبار، قاعدة البريقة، معسكر بئر أحمد الثاني في عدن، وقاعدة الريان في المكلا، بالإضافة إلى سجون سرية أخرى في سيئون وشبوة. وقد رصدت هذه المراكز ارتكاب انتهاكات خطيرة كالإخفاء القسري، التعذيب الجسدي والنفسي، العنف الجنسي، والإعدام خارج نطاق القانون، فضلاً عن نقل المعتقلين قسرًا بين سجون مختلفة داخل اليمن وخارجه، مثل إرسال بعضهم إلى منشأة عصب في إريتريا.

    وفي مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وثّقت تقارير خبراء الأمم المتحدة ومنظمة سام وجود عشرات أماكن الاحتجاز غير الرسمية في صنعاء وحدها، منها منازل خاصة، ومساجد، ومستشفيات، وأقسام شرطة جرى تحويلها إلى معتقلات، مثل "دار القرآن" ومرافق تابعة لجامعة الإيمان و"مستشفى الأيتام" ومراكز أمنية مثل قسم شرطة 7 يوليو و"قسم النصر"، كما استخدمت الجماعة السجون الرسمية مثل سجن هبرة والثورة والمركز السياسي للأمن كمراكز لإخفاء مئات المعتقلين، وغالبًا ما يتم حرمان أسرهم من معرفة مصيرهم أو أماكن وجودهم. وأوضحت تقارير فريق الخبراء أن بعض هذه المواقع دُمرت بغارات جوية مثل مبنى الأمن القومي في صنعاء عام 2015، لكن ذلك لم يوقف استمرار استخدامها كسجون غير رسمية أو إنشاء بدائل مشابهة.

    السياق القانوني

    وشددت سام على أن جميع هذه الوقائع تمثل خرقًا واضحًا للدستور اليمني الذي نص في مادته (48) على أن الحرية الشخصية مكفولة ولا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه أو تفتيشه إلا بأمر قضائي. كما تنتهك هذه الممارسات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه اليمن، حيث تحظر المادة (9) الاعتقال التعسفي، وتكفل المادة (14) الحق في المحاكمة العادلة، بينما تؤكد المادة (19) على حرية التعبير. وأوضحت أن التعذيب الذي يجري في السجون اليمنية يشكل خرقًا لاتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، وأن الإخفاء القسري محظور بموجب الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006. واعتبرت أن استمرار هذه الانتهاكات يجعل مرتكبيها عرضة للمساءلة بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يصنف التعذيب والإخفاء القسري ضمن الجرائم ضد الإنسانية.

    وبينت منظمة سام أن الشبكة المعقدة من السجون السرية التي تديرها أطراف النزاع تمثل خرقًا صارخًا للقانون اليمني، خاصة المادة (48) من الدستور التي تنص على أن الحرية الشخصية مصونة ولا يجوز القبض على أي شخص أو حبسه إلا بأمر قضائي، كما تخالف قانون الإجراءات الجزائية اليمني (المواد 179 و263–264) الذي يجرم التعذيب والمعاملة القاسية، أما على الصعيد الدولي، فإن هذه الممارسات تُعد انتهاكًا لاتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، وتندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية وفقًا للمادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

    الآثار الإنسانية

    وأضافت المنظمة أن الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري يتركان أثرًا بالغًا على الضحايا وأسرهم على حد سواء، حيث تعيش عائلات المخفيين في دوامة من القلق المستمر بين الأمل والخوف، محرومة من الحق الأساسي في معرفة مصير ذويها، كما تواجه كثير من الأسر أزمات اقتصادية خانقة نتيجة فقدان العائل الوحيد، بينما يُحرم الأطفال من رعاية آبائهم ويتركون لمصير غامض، معتبرةً أن هذه التداعيات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية تشكل عقوبة جماعية للمجتمع بأسره.

    الدعوة إلى التحرك

    تؤكد منظمة سام للحقوق والحريات أن وضع حد لجرائم الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري في اليمن يستلزم خطوات عملية جادة تبدأ بالكشف الفوري عن مصير جميع المخفيين، والإفراج عنهم دون قيد أو شرط، وإغلاق شبكة السجون السرية التي تمثل بؤرًا لانتهاك كرامة الإنسان، مشددةً على ضرورة أن تضمن السلطات خضوع جميع أماكن الاحتجاز لإشراف قضائي فعّال، وتمكين المعتقلين من حقوقهم القانونية كاملة، بما في ذلك التواصل مع أسرهم ومحاميهم والحصول على الرعاية الطبية والظروف الإنسانية الملائمة.

    وتدعو المنظمة المجتمع الدولي إلى ممارسة ضغوط جدية على أطراف النزاع لوقف الانتهاكات، والعمل على ملاحقة مرتكبيها، وضمان حق الضحايا وأسرهم في الإنصاف والتعويض وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، بما يكرّس قاعدة عدم الإفلات من العقاب ويعيد الاعتبار للضحايا.


  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير