جنيف - عقدت منظمة سام للحقوق والحريات ورابطة أمهات المختطفين، الخميس 24 أبريل الجاري، ندوة نقاشية حول العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في اليمن، بمشاركة عدد من الخبراء والناشطين الحقوقيين، وذلك ضمن برنامج سبارك المدعوم من معهد DT.

استهلت الندوة بكلمة افتتاحية ألقتها أمة السلام الحاج، رئيسة رابطة أمهات المختطفين، حيث أكدت على أهمية العدالة الانتقالية كمدخل أساسي لتحقيق سلام مستدام في اليمن. وشددت على ضرورة وضع قضايا الضحايا على رأس أولويات التسويات السياسية، محذرة من خطورة تجاهل الانتهاكات وما تخلفه من أحقاد تعيق التعافي الوطني.

من جانبه، ألقى توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، كلمة أوضح فيها أن الندوة تأتي في سياق الجهود الرامية إلى تعزيز الوعي المجتمعي بمفاهيم العدالة الانتقالية وربط الضحايا بمراكز القرار. وأشار إلى أن المنظمة، بالشراكة مع رابطة أمهات المختطفين ومعهد DTI، تسعى إلى دعم بناء السلام عبر توثيق الانتهاكات وتعزيز مبادرات المصالحة.

من جانبه، أوضح الأستاذ فراس حمدون، مدير برنامج سبارك في اليمن، أن التحالف الذي يضم عشر منظمات مجتمع مدني من مختلف أنحاء اليمن، بدأ عمله بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان وفقًا للمعايير الدولية، قبل أن يتطور إلى منصة قوية للمناصرة تضم أكثر من خمسين مشاركًا من الضحايا والناجين. وأشار إلى أن التحالف تولى مؤخرًا دورًا قياديًا في بناء قدرات المجتمع المحلي وتعزيز وعيه بمفاهيم العدالة الانتقالية.

ولفت حمدون إلى إطلاق نشاط تدريبي استهدف أكثر من 150 مشاركًا في مجال العدالة الانتقالية. كما أعلن عن تنفيذ مبادرات للعدالة التصالحية، والاستعداد لعقد مؤتمر دولي للجهات الفاعلة في مجال العدالة الانتقالية العام المقبل. وشدد حمدون على أن العدالة الانتقالية في اليمن ليست مجرد إطار فني، بل هي جزء جوهري من عملية التعافي وإعادة بناء المجتمع، مؤكدًا أن لا سلام مستدام بدون عدالة حقيقية ومساءلة.

وعرض الباحث دان كوفاسكي من معهد DTI المنهجية المتبعة في الدراسة التي استندت إليها الندوة، مبيّنًا أن البحث اعتمد على مقابلات معمقة ومجموعات نقاش بؤرية أجريت في ست محافظات يمنية. وذكر أن الدراسة هدفت إلى تحديد أولويات الضحايا في قضايا العدالة وجبر الضرر، واستكشاف آراء المجتمع المدني حول آليات العدالة الانتقالية المناسبة لليمن.

وقدمت الندوة عرضًا تفصيليًا لأهم نتائج الدراسة الصادرة تحت عنوان "الطريق نحو السلام"، والتي أعدتها منظمة سام ورابطة أمهات المختطفين، بالشراكة مع معهد دي تي، وهدفت إلى فهم تصورات اليمنيين حول العدالة الانتقالية، واستطلاع آراء الضحايا وخبراء في هذا المجال.

تضمن العرض شرحًا للمنهجية التي اتبعتها الدراسة، والتي شملت مقابلات فردية وجلسات بؤرية في ست محافظات رئيسية، وأكدت أن 79% من المشاركين تعرضوا أو أحد أفراد أسرهم لانتهاكات مباشرة، مما يعكس حجم المأساة الإنسانية وتعمّق الأثر النفسي والاجتماعي لدى الضحايا.

تناول النقاش عدة محاور رئيسية من بينها آليات تعويض الضحايا، دور المؤسسات الرسمية، والتحديات التي تواجه تنفيذ العدالة الانتقالية، وأهمية إشراك الضحايا والفئات المهمشة في صياغة الحلول، كما تطرقت إلى الجدل الدائر حول أولوية المصالحة أو المحاسبة، ودور الفاعلين المحليين والدوليين في دعم المسار الحقوقي والإنساني في اليمن.

وتوقف النقاش أيضًا عند التحديات التي تواجه المجتمع المدني اليمني، مثل نقص التمويل، وضعف الحماية، والحاجة لبناء القدرات في مجالات التوثيق والمناصرة، إلى جانب أهمية إشراك المشايخ والزعامات التقليدية في بعض المناطق، بما يتناسب مع طبيعة المجتمع.

وأبرزت الندوة جملة من التوصيات التي شددت على ضرورة تضمين مبادئ العدالة الانتقالية في أي تسوية سياسية قادمة، وضرورة إنشاء هيئات وطنية مستقلة للإنصاف والتعويض، إلى جانب تعزيز دور الضحايا كمشاركين فاعلين في صناعة السلام.

كما دعا المشاركون إلى دعم المبادرات المحلية، وتمكين المنظمات الحقوقية من العمل الميداني عبر شراكات دولية شفافة، تسهم في بناء مسار وطني متكامل للعدالة الانتقالية.

وأكد منظمو الندوة أن هذه الفعالية تمثل خطوة ضمن سلسلة من الجهود الرامية لتعزيز الحوار الحقوقي وتبادل المعرفة بين الفاعلين المحليين والدوليين، من أجل مستقبل أكثر عدالة واستقرارًا في اليمن.

في ختام الندوة، أكد توفيق الحميدي أن العدالة الانتقالية ليست خيارًا سياسيًا بل التزام قانوني وأخلاقي تجاه الضحايا، داعيًا جميع الأطراف اليمنية إلى الالتفاف حول مبادئها لضمان عدم تكرار الانتهاكات، وبناء يمن جديد يقوم على قيم العدالة والمساءلة وحقوق الإنسان.