أصدر مشروع الحقوق الرقمية، اليوم الأحد، تقريرا عن ظاهرة انتحال الهوية الرقمية في اليمن، وما يكتنفها من مخاطر وتبعات تلقي بظلالها على الأفراد والمجتمع ككل.
وقال التقرير -المعنون بـ ظاهرة انتحال الهوية الرقمية في اليمن.. الدوافع والتبعات- إن انتحال الهوية الرقمية يعد ظاهرة متنامية في اليمن، خاصة مع الاستخدام المتزايد لمنصات التواصل الاجتماعي، وما رافق ذلك من ظهور أشكال مختلفة من الانتحال، عبر إنشاء حسابات وهمية لأغراض مسيئة.
وجادل التقرير بأن الصراع المستمر والاستقطاب السياسي الذي تشهده البلاد أدى إلى زيادة انتشار الحسابات المزيفة على منصات التواصل الاجتماعي، والتي تستخدمها مختلف الأطراف لنشر الدعاية والتلاعب بالرأي العام والتأثير على الخطاب السياسي، وهو ما يستدعي الوقوف على هذه المشكلة، وإبراز تداعياتها على الأفراد والكيانات والمجتمع عموما.
وأضاف أن أطراف الصراع في اليمن، تستخدم الحسابات المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر روايات متحيزة، تعمل على تضخيم أحداث ووجهات نظر معينة، من خلال التظاهر كأشخاص حقيقيين، أو تقمص شخصيات من الأطراف المعارضة، لنشر معلومات وتصريحات بهدف إحداث انقسام في صفوف تلك الأطراف.
واعتبر تقرير (ظاهرة انتحال الهوية الرقمية) أن الحسابات المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي تساهم بشكل كبير في خلق بيئة معادية على الإنترنت، من خلال نشر خطاب الكراهية والتحريض على العنف، ومضايقة الآخرين والتنمر عليهم، وقذفهم والتشهير بهم، وتعزيز الأيديولوجيات المسببة للانقسام والاستقطاب، ناهيك عن استخدام هذه الحسابات في تضخيم وجهات النظر المتطرفة، وكل ذلك، يجعل من بيئة الإنترنت بيئة سامة وعدائية.
ولفت إلى أن تلك الحسابات تؤدي إلى تقويض التماسك المجتمعي، من خلال نشر معلومات مضللة ومغرضة، وخلق زحم للمحتوى المثير للعداوة، بالإضافة إلى تغذية التوترات والنزاعات، وتقويض الثقة بين الأطراف المختلفة، وبالتالي تضعف الروابط الاجتماعية وتزيد من تفاقم الانقسامات القائمة. كما أن استخدام الحسابات الوهمية للتلاعب بالرأي العام، يُنتج رؤية مشوهة للواقع، حيث يتعرض الأفراد لوجهة نظر واحدة، وتغيب عنهم الرؤى الأخرى المختلفة.
وعن دور الجهات الرسمية، في التصدي لظاهرة الانتحال، لفت التقرير إلى غياب الدور الرسمي، في مكافحة الجريمة الإلكترونية بشكل عام، وقصور الإجراءات المفترض اتباعها في الرقابة والضبط لملاحقة المجرمين، فضلا عن عدم وجود قانون ناظم للفضاء الرقمي. ويتابع التقرير: في ظل حالة الفراغ هذه، برز دور منصات تدقيق الحقائق والنشطاء، في مكافحة الحسابات الزائفة، والإطاحة بـ منشئيها.
وانتقد التقرير دور شركات المنصات الاجتماعية، في مكافحة الحسابات الزائفة، بالقول: إن الجهود والإجراءات التي تتبعها للتصدي لظاهرة الانتحال، ليست كافية، منوها بأن ثمة أعداد مهولة من الحسابات والصفحات الوهمية، التي تشارك محتوىً مسيء ومثير للانقسام، دون أن تتخذ إدارة المنصات -فيسبوك، أو تويتر- أي إجراء حيالها.
وأوضح أن إحدى نقاط الضعف في آلية استجابة فيسبوك وتعاطيها مع الحسابات الوهمية، والمحتوى الذي تنشره، تكمن في اعتماد المنصة على مجتمع المستخدمين الخاص بها للإبلاغ عن مثل هذا المحتوى، وتأخر الاستجابة لغاية وصوله إلى مستوى معين من الشعبية، في حين أنه من الأسهل استخدام الذكاء الاصطناعي لمراقبة المحتوى النصي في الوقت الفعلي.
وأضاف التقرير الصادر عن مشروع الحقوق الرقمية في اليمن، أن قنوات التواصل الاجتماعي تمتلك حوافز تجارية قليلة جدًا للتخلص من الحسابات المزيفة، حيث يعتمد نموذج الإعلان بالكامل على متوسط عدد المستخدمين الشهري، خاصةً عندما تولد هذه الحسابات المزيفة تفاعلاً عبر الإعجابات وإعادة التغريد التي تؤثر على خوارزمية المحتوى الشائع المعروض للمستخدمين.
وذكر التقرير أن منتحلي الشخصية أصبحوا -هذه الأيام- أكثر دهاءً في التمويه وتعقيد مهمة تتبع الحسابات المزيفة ومع ذلك، فإن أي إجراء على الإنترنت يترك بصمات رقمية تتيح لمحققي وسائل التواصل الاجتماعي تتبع الجاني واكتشافه، بالإضافة إلى أن هناك إجراءات يمكن اتباعها لمعرفة ما إذا كان الحساب زائفًا أم حقيقيا، كـ استخدم محركات البحث للتحقق مما إذا كان الشخص المذكور موجودًا على الشبكات الاجتماعية الأخرى التي تستخدم نفس الاسم، واستخدام طريقة البحث العكسي عن الصورة، بالإضافة إلى ملاحظة اهتمامات وسلوك الشخص عبر الإنترنت، وتاريخ إنشاء الملف الشخصي، وما إلى ذلك.
ونصح التقرير الجمهور بالامتناع عن متابعة الحسابات الزائفة أو التفاعل معها بأي حال، والإبلاغ عنها فورًا، كخطوة أولى لمعالجة ظاهرة الانتحال، محذرا المستخدمين من التجاوب مع طلبات تحويل الأموال التي يرسلها مجهولون، أو الإفصاح عن المعلومات الشخصية، أو الضغط على أي رابط مرفق.
ودعا التقرير وسائل الإعلام والصحفيين والإعلاميين والناشطين، إلى عدم تداول محتوى الحسابات الزائفة، والقيام -بدلا عن ذلك- بدور توعوي، في كشف تلك الحسابات وفضح منشئيها، وإطلاع الجمهور على التكتيكات والوسائل التي يتبعها المتصيدون في ممارسة الجريمة الإلكترونية من خلال انتحال شخصية وهمية.
كما دعا فريق الحقوق الرقمية، المنظمات والمؤسسات المانحة إلى الاستثمار في دعم المنصات المعنية بـ "مكافحة الجريمة الإلكترونية"، وتزويدها بالإمكانيات اللازمة، وبالأخص "مبادرات" التحقق من المعلومات وكشف التضليل.
القائمون على التقرير اوصوا أطراف الصراع بعدم الانخراط في صراع إلكتروني تعوزه الأخلاقيات والممارسات القيمية، أو اللجوء إلى استخدام حسابات وهمية في نشر دعايتها وتعزيز تصوراتها للأوضاع، وتشويه الطرف الآخر.
وشدد التقرير على ضرورة العمل على إصدار "قانون الجرائم الإلكترونية"، على أن يخضع الأمر لنقاشات معمقة مع مختلف الأطراف ذوي المصلحة، بحيث تكون نصوص القانون محددة وواضحة ودقيقة وذات صلة، وبما لا يسهم في تقييد حرية الرأي والتعبير أو يؤدي إلى انتهاك خصوصية الأفراد وإلحاق الضرر بهم، كما شدد على أهمية الدفع لإنشاء مركز وطني للاستجابة للحوادث السيبرانية، والاستعانة بخبراء ومختصين في هذا الحقل، فضلا عن إعادة تأهيل وتدريب القضاة والمحققين وكافة الأشخاص المعنيين بمعالجة الجريمة الإلكترونية
واقترح التقرير على منصات التواصل الاجتماعي اتخاذ نهج استباقي للكشف عن الحسابات المزيفة وإزالتها من خلال تطبيق أنظمة آلية للكشف والإبلاغ، واستخدام وسطاء بشريين لمراجعة وإزالة الحسابات الزائفة، والتعاطي مع طلبات المراجعة بجدية ومسؤولية. بالإضافة إلى عقد شراكة مع المبادرات المحلية المعنية بـ "تدقيق الحقائق"، والعمل مع المنظمات المحلية لتعزيز الوعي بالمشكلة، وتوفير التعليم والتدريب للمستخدمين حول كيفية التعرف على الحسابات الزائفة والإبلاغ عنها.
الجدير بالذكر أن تقرير (ظاهرة انتحال الهوية الرقمية في اليمن.. الدوافع والتبعات) هو التاسع ضمن مشروع الحقوق الرقمية، الذي تنفذه منظمة سام بدعم من منظمة إنترنيوز، بهدف مناصرة قضايا الحقوق الرقمية لليمنيين، وصولا إلى فضاء رقمي حر وآمن.
لتحميل التقرير، انقر هنا