• 01/05/2023
  •  https://dg.samrl.org/l?a4786 
    العلامة الزرقاء على تويتر وتسليع حريّة التعبير
    الحقوق الرقمية |


    عمار فراس | العربي الجديد 

    لا يمكن تجاهل الجدل الذي يشعله إيلون ماسك، مالك "تويتر" الجديد، في كلّ مرة يقرر أن يغير شيئاً في "تويتر". آخر حلقات هذا الجدل هي العلامة الزرقاء، تلك التي يجب دفع ثمانية دولارات للحصول عليها. بعد أخذ ورد، ألغيت العلامة، وسارع الكثيرون إلى "شرائها". بالطبع، ظهرت مرة أخرى مشكلة الحسابات الوهميّة، والأهم، أن رفض كثيرون شراءها، كصحيفة ذا نيويورك تايمز، ذات الـ55 مليون متابع، فالمصداقيّة نهايةً لا تحتاج إلى ثمانية دولارات.
    الجدل يمكن اختزاله بجانبين: الأول تسليع حرية التعبير. دفع ثمن العلامة الموثقة يعني أن حرية العبير سلعة تؤمنها منصة تويتر، الشركة الخاصة التي تسعى للربح، الأمر الذي لا يخفيه ماسك أبداً، بل يمازح محاوريه على حسابه، طالباً منهم قول ما يشاؤون مقابل ثمانية دولارات. الجانب الثاني، هو عوضاً عن الجدل في حرية التعبير والصوابية السياسية واستراتيجيات الإلغاء، أصبح كلّ شيء مباحاً مقابل ثمن علامة التوثيق. 
    لا يقتصر الأمر على "المصداقيّة" وعلنية صاحب العلامة الزرقاء، بل قدرته على أن "يصل" إلى أكبر عدد ممكن من الناس، وهنا بالضبط المفارقة، الخوارزميات هي التي تتحكم، وعوضاً عن أن تكون بناءً على التعرض والانتشار وقيمة الرأي (ولو كان تافهاً)، أصبح الأمر مدفوعاً، والتحكم بيد صاحب المال لا المصداقيّة. 
    الجدل حول "تسليع حريّة" التعبير، أقدم من العلامة الزرقاء، وسببه التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي بوصفها "فضاءً عاماً". صحيح هي ساهمت في التحركات الاجتماعية والسياسية التي شهدها العالم منذ عام 2011، لكنها في النهاية شركات خاصة شعارها "أعطنا محتوى ومعلوماتك الشخصيّة، نجعلك تنتشر وربما تربح المال".
    تغيرت المعادلة مع العلامة الزرقاء؛ إذ إنها توحي بأن هناك تطابقاً بين الشخص وحسابه الوهميّ، وكل ما يقوله محسوب عليه. لكن، هل نحن أمام فضاء عام فعلاً؟ ألا يفترض الفضاء العام إمكانية التقنّع، والاختفاء، والتصرف بحماقة، لكن هذا غير مباح في "تويتر"، ما زالت سياسات الإقصاء قائمة، ومع غياب العلامة الزرقاء، يمكن لمن كانت أصواتهم غير مسموعة بسبب عدم مصداقيتهم، أن يطفوا على السطح. وهنا اختلفت القواعد عن الفضاء العام، نحن لسنا إذاً أمام قادة رأي ذوي علامة زرقاء، بل ربما محتالين.

    يتردد دوماً أن "تويتر" انتهى بعد مجيء ماسك، وازداد الأمر حدة بعد قضية "الدفع" هذه لكونها تفقد الأشخاص مصداقيتهم، فيما يرى البعض الآخر أنها شكل من أشكال المساواة، لكن هذه المساواة راديكاليّة؛ أي لا قواعد على الجميع. نطرح هذا السؤال بسبب السوق الجديد الذي ظهر، الذي يتمثل بمنصات التواصل التي يلاحقها اليمين المتطرف الأميركي، الفئة التي وجدت نفسها منفيّة ولا "تصدق" سياسات هذه الوسائل، فهل "المال" أسلوب لاجتذابها؟ أي هل نحن أمام مقاربة "تسويقيّة" مرة أخرى؟
    لا تعني العلامة الزرقاء شيئاً للمستخدم العادي، نقولها هكذا بوضوح، فيدفع النقود ظناً منه أنه سيتحول إلى "شهير" و"مؤثر". لكن اللافت أنها لا تحمي من يشتريها، شخصاً كان أو مؤسسة، من سطوة ماسك نفسه، الذي قد يتدخل شخصياً في بعض الأحيان لإلغائها، ما يعني أننا أمام استثمار خطر، لا يخضع للقواعد، بل بصورة ما للخوارزميات والاشتراك ومزاج إيلون ماسك. 
    سارع كثيرون بصمت إلى شراء العلامة الزرقاء، من دون جدل أو ضجيج، نُظر إليها كشرط جديد من شروط التواصل الاجتماعيّ. وهنا السؤال: ما الحد الذي يقف عنده انصياع الغالبين لهذه الشروط والسياسات؟ إن لم يكن المال، فما هو؟ تسريب البيانات؟ لا. خطاب الكراهية؟ أيضاً لا.

    المصدر: العربي الجديد 


  •  
    جميع الحقوق محفوظة لمنظمة سام © 2023، تصميم وتطوير