جنيف - عقدت منظمة سام للحقوق والحريات ورابطة أمهات المختطفين، العضوان في تحالف ميثاق العدالة لليمن، بالتعاون مع معهد دي تي، ويبينار بعنوان: "العدالة الانتقالية في اليمن: رؤى القوى السياسية وتحديات التفعيل"، ضمن مشروع "سبارك"، في إطار الجهود الوطنية الرامية إلى تفعيل الحوار السياسي والمجتمعي حول مستقبل العدالة الانتقالية.
أشار توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام، في افتتاح الندوة إلى أهمية اللقاء كونه يشكل مساحةً هامة لحوارٍ صادق ومفتوح بين القوى السياسية اليمنية، لإثراء النقاش المجتمعي الذي قد يمهد لمسار العدالة الانتقالية، التي يطمح لها اليمنيون من أجل تجنب تكرار دوامة العنف والصراعات، معربًا عن أمله في أن يكون هذا اللقاء استثنائياً ومثمراً، خاصةً أنه يجمع أطرافًا مؤثرة وفاعلة في المشهد السياسي اليمني، بهدف الوصول إلى رؤى وتوصيات تخدم مستقبل العدالة والمصالحة الوطنية.
من جانبه، اعتبر النائب عبد الوهاب محمود، رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام، أن العدالة الانتقالية ما زالت تجربة حديثة في اليمن، مشيرًا إلى أن هناك فراغًا تشريعيًا واضحًا، حيث لم يتم حتى الآن إقرار أي قانون خاص بها، رغم إعداد مشروع قانون سابق لم ير النور. وأشار إلى أن التحدي الأبرز يتمثل في تعدد مراحل الصراع التي مر بها اليمن، وصعوبة تحديد فترة زمنية واضحة يمكن أن تشملها العدالة الانتقالية. وشدد على ضرورة البدء أولًا بمصالحة وطنية شاملة تشمل القوى السياسية والمجتمعية، مؤكدًا أن ذلك يعد شرطًا أساسيًا قبل الحديث عن تنفيذ آليات العدالة الانتقالية، في ظل غياب مؤسسات الدولة.
بدوره، تحدث علي الضالعي، عضو اللجنة المركزية للتنظيم الوحدوي الناصري، مؤكدًا أهمية العدالة الانتقالية في تعزيز السلم الاجتماعي والمصالحة الوطنية، لافتًا إلى أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب شروطًا أساسية، أبرزها توفر الدولة واستعادة مؤسساتها. وأشار إلى تحديات كبيرة مثل ضعف التوثيق التاريخي للانتهاكات، وعدم وجود اعتراف حقيقي بالأخطاء، إضافة إلى العادات القبلية والاجتماعية التي قد تقف عائقًا أمام تطبيق عدالة انتقالية حقيقية. وأوضح الضالعي أنه من الصعب تحقيق تقدم حقيقي في هذا المجال دون توحيد الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية وإيقاف تعدد المليشيات المنتشرة في البلاد.
وأكد المحامي محمد ناجي علاو، رئيس الدائرة القانونية للتجمع اليمني للإصلاح، على أن تطبيق العدالة الانتقالية يحتاج إلى بيئة سياسية ودولة قوية تمتلك الأدوات اللازمة لتنفيذ العدالة وضمان الإنصاف. واستعرض علاو عددًا من التجارب الدولية مثل رواندا، جنوب أفريقيا، والمغرب، مؤكدًا أن هذه التجارب نجحت بفضل توفر إرادة سياسية قوية وقيادة موحدة ودولة قادرة على فرض قراراتها. وأشار إلى أن الوضع الحالي في اليمن معقد جدًا في ظل الانقسام وانتشار المليشيات وعدم وجود إجماع سياسي على مبادئ العدالة الانتقالية، موضحًا أن ذلك يتطلب أولًا مصالحة سياسية حقيقية، كمدخل أساسي لأي عدالة انتقالية مستقبلية.
وذكر المحامي مطلق الأكحلي، عضو اللجنة المركزية في الحزب الاشتراكي اليمني، أن الحديث عن العدالة الانتقالية في ظل واقع الحرب والتمزق السياسي يطرح تحديات كبيرة وتساؤلات عميقة، خاصة في ظل تراجع الزخم المدني، وغياب الإرادة الحقيقية من بعض الأطراف التي تفضل تجنّب هذا الملف. وأوضح أن الحرب عطلت مسار العدالة الذي بدأ بعد 2011، لكنه خلّف إرثًا يمكن الاستناد إليه، مثل صناديق جبر الضرر ووثائق الحوار الوطني. وشدد على أن العدالة يجب أن تسبق المصالحة، معتبرًا أن أي اتفاق سياسي لا يُنصف الضحايا ولا يضمن عدم تكرار الانتهاكات سيكون مجرد تطبيع لنتائج الحرب، لا خطوة نحو السلام الحقيقي.
وفي ختام الندوة أوصى المشاركون بضرورة تعزيز الحوار الوطني بين القوى السياسية المختلفة، وتفعيل آليات التنسيق والتعاون فيما بينها، والعمل على نشر الوعي بثقافة العدالة الانتقالية وأهميتها في تجاوز الماضي. كما أوصت الندوة بضرورة العمل الجاد على استعادة الدولة الموحدة والقادرة على فرض القانون والعدالة، مع تعزيز الثقة بين مختلف الأطراف اليمنية كخطوة أساسية لضمان استقرار اليمن ومستقبله.