أصدرت "منظمة سام" اليوم الخميس، تقريرا معمقا، عن واقع التضليل الإعلامي في اليمن، مشتملا على آراء 100 مستجيب شاركوا في استبيان إلكتروني أعده الفريق البحثي، بهذا الشأن، في محاولة لتقديم لمحة عن مشهد التضليل في البلاد.
وأشار التقرير -المعنون بـ "التضليل الإعلامي عبر الفضاء الرقمي اليمني.. التداعيات والحلول الممكنة"- إلى أن الاستقطاب السياسي والصراع العسكري ألقى بظلاله على المشهد الإعلامي في البلاد وأسهم في بروز لغة متسقة مع مسار الحرب، لافتا إلى أن الشائعات أصبحت واحدة من أهم أسلحة الحرب وأكثرها توظيفا بين الأطراف المحلية والإقليمية الفاعلة في المشهد اليمني.
وحذر التقرير من خطورة الاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي، كمصدر موثوق للأخبار، والتفاعل مع ما ينُشر عبرها ومشاركته دون تدقيقه والتحقق منه، لافتا إلى أن مشاركة إعلاميين وصحفيين (مرتبطين بأطراف الصراع) في فوضى التضليل، ضاعفت من خطورته وتداعياته.
وأورد التقرير أن قرابة 70% ممن شملهم الاستبيان، يعتمدون بشكل دائم على منصات التواصل الاجتماعي في التزود بالأخبار، فيما بلغت نسبة متابعي الأخبار عبر المواقع الإخبارية، 23%، مرجحا أن اعتماد اليمنيين على منصات التواصل الاجتماعي، بهذا الشكل، ربما يفسر تراجع معدل ثقتهم في المحتوى المنشور على "المواقع الإخبارية" التي يطغى عليها التجاذب السياسي والاستقطاب الحاد، بشكل بدت فيه كما لو أنها ماكينات ضخمة تضخ بروباغندا مضللة، علاوة على تموضعها في خانة الصحافة الصفراء، التي تفتقر إلى المهنية والموضوعية، إذ أفاد المستجيبون بأن نسبة ثقتهم في وسائل الإعلام المحلية لا تتجاوز الـ 37%.
وعن تعاطي الجمهور مع ما يُنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قال 45% إنهم يتحققون من الأخبار بشكل دائم، و 34% يتحققون منها في العادة، و10% أحيانا، بينما 11% لا يتحققون منها/ أو يتحققون بشكل نادر، وأضاف التقرير أن المواضيع السياسية هي الأكثر عرضة للتضليل، من وجهة نظر 84% من المستجيبين.
وأشار التقرير الصادر عن "سام" إلى أن أشكال المعلومات المضللة، تتباين بحسب الوسيلة والسياق الذي تُنشر فيه، مبينا أن أكثر ما يصادفه المستجيبون من معلومات مضللة على الفضاء الرقمي، يأتي على شكل صحافة صفراء، غير مهنية (81%) يليها المعلومات المفبركة والمختلقة من الأساس (79%)، بالإضافة إلى ذلك الشكل من التضليل الذي يقوم على انتقاء حقائق معينة حول قضية ما وإهمال الحقائق المهمة حول نفس القضية في نفس الوقت (61%)، علاوة على أن البروباغندا تعد واحدة من أكثر أشكال التضليل الذي يصادف 61% من المستجيبين. ويرى 43% من المستجيبين أن المعلومات المضللة تأتي على صورة "سياق خاطئ"، علاوة على "الربط السلبي بين موضوعين مختلفين" بحسب رأي 41% من المستجيبين.
واعتبر التقرير أن عملية إنشاء ونشر المعلومات المضللة والأخبار الزائفة ليست اعتباطية، وإنما لها دوافع وأهداف يسعى ناشروها لتحقيقها، مع استثاء أولئك الذين يتداولونها من باب "عدم المعرفة" بكونها مضللة، وغير حقيقية، مستدلا بآراء المستجيبين، حيث أشار 79% إلى أن نشر الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة يأتي بهدف: "تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية ومادية"، وكذا "إلهاء الرأي العام والتغطية على حقائق أخرى"، بالإضافة إلى "إلحاق الأذى، أو النيل من الجماعات/ الأشخاص الفاعلين"، عند (74%) من المستجيبن، و49% قالوا إن دافع التضليل يتمثل في "تحقيق السبق الصحفي"، فيما ذكر 41% من المستجيبين أن ثمة من ينشر أخبار زائفة ومعلومات مضللة، بسبب جهله بكون المعلومات تلك "مضللة".
ولفت التقرير إلى أن الحسابات المجهولة على منصات التواصل الاجتماعي، هي الأكثر توليدا للأخبار الزائفة والمعلومات المضللة، يليها نشطاء السوشيال ميديا، ثم المواقع الإخبارية، فالإعلاميون والصحفيون، ثم السياسيون، بحسب المستجيبين.
وذكر التقرير أن نشر الكراهية وتعميق الانقسام بين اليمنيين يعد أبرز تداعيات التضليل الإعلامي بحسب (93%) من المستجيبين، وتابع التقرير: 77% قالوا إن التضليل الإعلامي يلهي المواطنين ويصرف انتباههم عن القضايا المهمة التي تشهدها البلاد، فيما ذكر 71% أن التضليل يعيق المواطنين ويحد من إمكانية رؤيتهم للحقيقة أو تمييزها، بينما اعتبر 63% أن التضليل يؤدي إلى إحداث تغيير في الطريقة التي يدرك بها الجمهور قضية أو موضوع معين، و62% نوهوا بأن التضليل يقوض ثقتهم في وسائل الإعلام.
وعن تدابير الحد من انتشار التضليل، يعتقد 57% من المستجيبين، أن "مساءلة الجهة المقدمة للمعلومات المضللة" يعد الإجراء الأكثر في فاعلية للحد من انتشار المعلومات المضللة، يليه "بناء شراكات بين منصات تدقيق الحقائق وشركات التواصل الاجتماعي" (50%)، و"متابعة الأخبار من عدة مصادر" (49%)، بالإضافة إلى "زيادة الوعي بين الجمهور" (48%)، وتعزيز محو الأمية الإخبارية ودعم الصحافة المهنية (43%).
ونوه التقرير بأن العصر الرقمي يطرح عدة تحديات تتعلق بمحو الأمية المعلوماتية للمجتمع المدني، موضحا أنه ومع "وجود كميات هائلة من المعلومات التي تغمرنا كل يوم يكون من الصعب فرز المعلومات الموثوقة من الملفقة، كما أن التقنيات الجديدة لإنشاء المعلومات ومشاركتها على نطاق واسع تتيح نشر المعلومات الخاطئة التي تبدو وكأنها من مصدر موثوق، بالإضافة إلى ذلك، فإن ما نشهده من تصاعد الصراع بين السرعة والدقة زاد من فرص أن تكون المعلومات خاطئة، علاوة على أن وسائل التواصل الاجتماعي تجعل من السهل جدًا اختيار المعلومات التي تدعم "معتقدات الأفراد" الموجودة مسبقًا.
التقرير الذي أعدته سام (ضمن مشروع الحقوق الرقمية الذي تنفذه المنظمة بالتعاون مع "إنترنيوز") دعا "المؤسسات الصحفية والإعلامية" إلى الالتزام بمبادئ المهنة، والأخذ بمعايير الصحافة المستنيرة والأخلاقية، وانتهاج أفضل الممارسات في النشر، مشددا على ضرورة اعتماد الصحفيين على المصادر الموثوقة وذات المصداقية، في استقاء المعلومات، مع مراعاة أن تكون المعلومات مدعمة بشواهد وازنة ومتماسكة.
وطالب السلطات بعدم استخدام المنافذ الإعلامية الرسمية لنشر معلومات مضللة وزائفة، خدمةً لأجندات سياسية، وبالإضافة إلى تجنب التلاعب بالرأي العام، وكل ما من شأنه أن يؤثر على "تصورات المواطنين ورؤيتهم للحقيقة".
وأوصى التقرير "المنظمات والجهات المانحة"، بأهمية الاستثمار في دعم المنصات المعنية بـ "مكافحة التضليل" لتمكينها من مواصلة مهمتها التنويرية والهادفة، بما يسهم في إبراز الحقيقة، ويحِّد من تفشي الكراهية التي يؤججها التضليل.
لتحميل التقرير، اضغط على الرابط أدناه
pdf -التضليل الإعلامي عبر الفضاء الرقمي اليمني